اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

الفجر الأسود ... !!

كتب بواسطة : futurosahara on 08‏/11‏/2011 | الثلاثاء, نوفمبر 08, 2011


بقلم : حمادة اسماعيلي
جاء امرهم وكنا بياتا ... لكن امر الله جاء ليجعل امرهم في وبال وتدبير هم في سجال ... تلك حكاية تختزل الكثير من المعاني والدلالات التي غيرت معالم العالم، هناك في اقصى الارض في آخر مستعمرة بالقارة السوداء، الآلاف من النساء والرجال والاطفال الذين ذاقوا ضرعا بحكم الدخلاء آثروا على انفسهم العيش بسلام لم يدم طويلا تحت سقف القماش، يفترشون الحصير ويقتاتون على ما تيسر من طعام وماء يقتسمونه لتجاوز المحنة الصغرى داخل المحنة الكبرى ... وفي مقابل ذلك الالاف من الجيوش والشاحنات والمدفعيات والرشاشات التي حسبت طويلا في مرابضها ليتم اخرجها اخيرا للوقوف في وجه من قالوا " لن نرضى بالرباط والصحراء تحت الصباط " .
هي ايام مضت بحلوها ومرها، وبايجابياتها التي لا تنتهي برهنت للعالم رفض الشعب الصحراوي للواقع المفروض رغم ما يروج له جامعوا الثروة ومانعوا الثورة ؟؟ هي لحظات ما فتئ الشيخ النحرير يرفع فيها الاذان ايذانا بصلاة الفجر الاول من اول ايام الشهر الحرام حتى نادى مناد من السماء " على سكان المخيم اخلائه فورا "  لم يكن ذلك الا صوتا مرعبا، وايعاز للشحانات بالتقدم ومؤشر للجنود من اجل البدئ في تفاصيل العملية قبل طلوع الشمس.
لا شئ يعلوا فوق صوت الرصاص وزئير الشاحنات وصافرات الانذار، وزمجرة الطائرات في كبد السماء اما من وقع عليه القول فلا حول له ولا قوة، لم يجد الصحراويين المحاصرين في فجر ذلك اليوم سوى التكبير والتهليل والتضرع الى الله ... لم يكن " اكديم ايزيك " امتدادا للمشاعر المقدسة، فعندما تلوح عيناك في الافق تظن نفسك في عرفات او منى  الا ان هاتين الاخيرتين تغيب عنهما مظاهر الحصار بالاسييجة والجدران الرملية والاسلحة الخفيفة والثقيلة ويحل الامن والطمأنينة والسلام ، بل كان اكديم ايزيك في تلك اللحظات " صبرا وشاتيلا / الصحراء الغربية" التي ذاق فيه الالاف من الابرياء مرارة الاحتلال.
استيقظ سكان المخيم على صوت الرصاص وزفير الشاحنات والسنة اللهب التي بدأت تتصاعد من جنبات المخيم، لقد فعل الاوغاد فعلتهم !! حرق وهدم ودمار وخراب ولا شئ على ما يرام ، بدى الامر وكانه كارثة وان لم يكن كذلك ؟ من كان يظن ان المخيم سيدمر بهذه الطريقة العنجهية ؟ طبعا لا شئ غريب تحت رحمة هؤلاء القوم ... لازال الظلام ولازال الجنود في صراع مع الزمن قصد انهاء المهمة الجبانة تحت جنح الظلام ... بدأ الابرياء يتسللون هربا من الريح القادم من الشمال، وبدأت الشمس تمسح السواد عن خد الارض " الين كلها عرف عدوه من صديكو" حينها أدرك الكثيرون انه لا مناص من اقتناص الفرصة لتقمص شخصية المقاتل، وقليلون هم الذين يملكون الخبرة، لم يتوارى احد ... لم يتراجع احد ... فالمعركة معركة من اجل كرامة " لوليات " !!!
انقشع الظلام وتبين الرؤيا وصار كل شئ على ماه هو عليه، حرائق هنا وهناك وشاحنات تتقدم ببطئ محملة بانواع الاسلحة والعتاد، اما التشكيلات الأمنية فحدث ولا حرج ؟؟ لم يبق فصيل أمني إلا وتم احضاره للادلاء بدلوه في هذع العملية منهم من يرتدي لباسا اخضر ومنهم من يرتديه اسودا ومنهم من يرتديه رماديا حتى كثرت الالوان واعطي الامر بتشديد الخناق وتوجه وابل من الغازات المسيلة للدموع نحو الابراياء الذين يصارعون قوة هذه الريح العاتية التي لا تبقي ولا تذر ... لم يعد بمقدور الصحراويين الحراك فكثير منهم اغمي عليه وكثير منهم سقط بسبب تأثير الغاز المسيل للدموع ومنهم اخترق الرصاص الحي والمطاطي جسده ولم يعد يقوى على الحركة ... الكل يحاول التقاط انفاسه بينما يحاول آخرون فهم ما يجري لينخرط الجميع تحت لواء : " مَاهْ اصْدِيْكْ ألي ما جابوا  أرْغَاَها يوم زَزْها ويوم  أطْلاَهاَ " !!.
بدا المكان بعد ساعات من القوة المفرطة اشبه بمخلفات زلزال تسونامي الذي ضرب جزيرة سومطرة، لكن ان كان أولئك القوم عاقبتهم القوة الالهية لسوء اعمالهم، فما ذنبنا نحن حتى نعاقب بهذه الطريقة وعلى ايدي اراذل الناس ؟؟  أَلأننا رفضنا الإذلال والمهانة والعيش في كنف من يسومنا سوء العذاب، ام أن ذلك هو قدرنا الذي اختير لنا ان نعيش في ظله مكرهين ...  لقد أصبح اكديم ايزيك قاعا صفصفا لا ترى فيه عوجا ولا أَمْتًا، وصارت تلك الخيم التي شيدت أجمل تشييد وتلك الدوائر التي وزعت أيما توزيع في خبر كان !! انها مشاهد مؤلمة ان ترى وطنك الذي استبشرت به خيرا تجتاحه جحافل الغزاة مرة أخرى بعد أن اجتاحت الوطن الكبير ذات مرة ؟؟ وأن ترى الخيمة التي آوتك وأنت صغيرا وترعرعت في كنفها حتى صرت يافعا وفهمت كثيرا من أسباب الحياة تحت غطائها وهي تدمر أمامك، ترى ذلك الرمز الذي غزى العالم بدلالاته المعبرة عن التمرد على مقولات الواقع المفروض، ذلك القماش الذي شييد في عواصم عدة من العالم وصار نمطا جديدا للاحتجاج والممانعة العقلانية، تراه فريسة بين مخالب الذئاب تغرز أظافرها فيه بحقد وتحامل منقطع النظير، ثم تنصرف بعد أن أوحت إليك انها انتصرت عليهم ... ولهم ان يسئلوا القاهرة وميدانها ومدريد وساحاتها ونيويورك وشوارعها وتل أبيب وغزاتها… !!
كان الخبر قد وصل مدينة العيون المحتلة في الساعات الأولى للصباح، قليلون ممن نجوا من آلة الدمار المرسلة لمحو آثار مخيم أكديم ايزك تمكنوا من الوصول الى مدينة العيون اما البقية فكان لها ان تلقى من التعذيب ضرعا ومن الأعمال الحاطة بكرامة الإنسان صنوفا أما الاعتقالات فكان بالجملة... لم يكن احد بمقدوره إعطاء رقم محدد ولا تحديد هويات أشخاص الا في ما ندر ... ففي ذلك اليوم لكل شأن يغنيه، عم الرعب والهلع صفوف الناس ولم يعد من ملجأ سوى الى الله. الجنود يحيطون بالناس من كل جانب وصوت الرصاص لا زال يغمر المكان وأعمدة الدخان تتصاعد من كل الجنبات وعدد الجرحى يقدر بالالاف لقد مارسوا العنف بكل اشكاله وما استثنوا احدا.
لقد صورت عدسات كاميراتهم  ماجرى بالطريقة التي يرونها انها مناسبة واخفوا الحقيقة، وقدموا لشعبهم ما ارادوا من خرافات واساطير وصوروا الصحراويين على انهم " دجال هذا الزمن " وتناسوا انهم في ايام قلائل صوروا المخيم واهله احسن الصور ونعتوهم أحسن النعوت ونفوا عنهم ما نسب اليهم حسب زعم من لا موقف له ؟؟ فلم يكن في جيوشهم من يحمل سلاحا ولم يكن من بينهم من يتأبط شرا، بل كان الامر طبيعيا حسب افترائهم وتم التعامل مع الموقف بشكل لطيف، واليوم ها قد مضى من الزمن ما مضى،  فوالله لوكان " اكديم ايزيك " هذا رجلا لمورست عليه ابشع صور التقتيل والتعذيب من قبل دولة الاحتلال !!
صارت الامور على هذا المنوال، واستمرت الآلة المغربية تحصد الضحايا الواحد تلو الاخر، فهذا لازال ينزف وهذا مغمي عليه وآخر يتحسس رصاصات اخترقت جسده وهذه تئن جراء التعذيب أما الشهيد فقد اغتالوه بطريقة بشعة، وتفننوا في قتله قَاتَلهم الله، وسقط شهيدا من اجل الحرية والكرامة، كرامة كل من يطالب بها فذاك مصيره ان يرمى بالرصاص حيا ايا كان عمره، حتى وان كان الطفل الصحراوي " الناجم الكارحي " أو السوريين " حمزة الخطيب " و " مجد ابو اللبن " أو اليمني " انس السعيدي " أو المصري " محمد إيهاب النجار" أو التونسية  " يقين قرمازي " براعم استشهدوا و أعمارهم تتراوح بين الربيع الواحد و 14 ربيعا كلهم سقطوا من اجل أن يحيوا كرماء في أوطانهم.
وبينما تستمر آلة الدمار في استكمال فصول الجريمة النكراء يحاول الجنود ان يظفروا بنصيبهم ويحملوا كل ما خف وزنه وغلا ثمنه، اما السيارات ذات الدفع الرباعي فمصيرها مصير أهلها أن تدمر تدميرا، أو تسجن هي الاخرى الى جل غير مسمى ... ؟
وفيما يحاول الاهل بمدينة العيون المحتلة الاسراع من اجل نجدة من وجدوا من بني جلدتهم، تخوض الدولة المغربية حربا اخرى بالوكالة ينخرط  فيها فصيل أمني آخر نتاقاسم معه بعضا من ضروب الحياة وهذه المرة بزي مدني وخلقة استيطانية وفكر مخزني تمت أدلجته منذ عقود لهذا الغرض واستخدم كمخزون احتياطي لهذه الخدمة، المئات من جحافل المستوطنين يجوبون الشوارع بحصانة امنية بعد ان مهدت لهم الجيوش الجرارة الطريق واطلقت لهم العنان من اجل الانتقام ممن صورتهم آلتهم الدعائية على انهم" خارجين عن القانون " ، فهل كانوا تحت عباءة هذا القانون يوما حتى نخرج عليه ؟؟
وبعد ساعات عصيبة عنوانها التعنيف وممارسة السادية والقتل التحريض امتلأت المؤسسات العمومية بالسجناء، بعد ان غصت الأماكن المشهودة بهذا الفعل بالآلاف من الأبرياء، وكانت النتيجة : الزج بالمئات من الصحراويين الذين ابلوا البلاء الحسن في التنظير والتخطيط والتسيير المحكم لمخيم اكديم ايزيك في غياهب السجون وسراديب التعذيب وزنازن التنكيل لا لشئ إلا لأنهم قالوا " نموت موحدين ولن نعيش مقسمين".
وإذا كنا قد كتبنا في سجلات التاريخ أننا نموت موحدين ولن نعيش مقسمين فإننا كلما تألمنا كلما توحدنا وكلما توحدنا كلما ازددنا قوة وكلما ازددنا قوة كلما سجلنا الانتصا تلو الانتصاروكلما خاب ظن الغزاة الدخلاء وعادوا بخفي حنين كما سيعودون لا محالة.
لم يكن الآمر عاديا البتة، فلقد كان الامر حربا تدار من طرف واحد، والضحية اريد له ان يكون مجرما فيما بعد !! حين سلب منا كل شئ وقرر الأغبياء اهانتنا تحملنا الألم والمعاناة لأننا مدرسة لذلك منذ عقود، وحولنا المأساة الى ملحمة وطنية، كيف لا ونحن من اشعل فتيل الغيث الذي َولًد الربيع العربي، حين " نسيت ثورتنا " عند العرب وظهرت ثروتنا عند الغرب ...!! حينها أصبح من العدل أن يقال أننا شعب يصدر الثورة وتصادر منه الثروة ...؟؟