اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

وزراء الرئيس

كتب بواسطة : futurosahara on 25‏/11‏/2011 | الجمعة, نوفمبر 25, 2011

الصالح ابراهيم الصالح
في البداية أريد أن أنوه أنه لا أحد يتلذذ أو يطرب بالحديث عن الواقع وما وصلت إليه الأمور , لكن الواجب فرض يقتضي أن نجوب في رحابه دون تفصيل , فالبشر ضعيف مهما قوي , ناقص مهما كمل.
 بعد كل مؤتمر أو حركية حكومية يكثر تناول مصطلح الوزير، كما يحمل الفضول الجميع إلى معرفة أسماء الوزراء في الحكومة الصحراوية ، ومن الجديد والقديم ، فتصدق تنبأت مواطنين وتكذب أخرى ، في حين يرى البعض أنها حركية ممتازة ويذهب آخرين إلى أنها غير نافعة لا من حيث الحركية ولا من حيث التوقيت ، فما حقيقة الوزير الصحراوي ؟ الذي ظل دائما السبب الرئيسي في فشل الحكومات المتتالية في تسيير الشأن الداخلي منذ أكثر من ثلاثة عقود.

الوزير في الاشتقاق اللغوي يعود جذره إلى الوزر، و الوزر هو الثقل وهو أيضا الملجأ أو المعتصم ، فوزير الخليفة معناه الذي يعتمد على رأيه في أموره ويلجئ إليه ، قيل لوزير السلطان وزير لأنه يحمل عنه وزره أي ثقله ، وقد أستوزر فلان ، فهو يوازر الأمير و يتوزر له ، والوزر أيضا مأخوذ من الأزر و هو الظهر، لأن الملك يقوى بوزيره كقوة البدن بالظهر
.
وفي التراث الأدبي يميز العديد من الكتاب في كتبهم بين صنفين من الوزارات ، صنف وزارة التفويض وصنف وزارة التنفيذ ، أما وزارة التنفيذ فحكمها أضعف وشروطها أقل ، لأن النظر فيها مقصور على رأي الإمام وتدبيره ، وهذا الوزير وسط بينه وبين الرعايا ، فهو معين في تنفيذ الأمور وليس بوال عليها و لامتقلد لها ، فإن شورك في الرأي كان باسم الوزارة أخص و إن لم يشارك فيه كان باسم الوساطة أشبه ، وليس تفتقر هذه الوزارة إلى تقليد وإنما يرعى فيها مجرد الإذن وليس له أن ينفرد بولاية و لا تقليد فتعتبر فيه الحرية ، ويبقى مقصور النظر على أمرين : أحدهما أن يؤدى إلى الخليفة والثاني أن يؤدي عنه
.
ويبدو أن الدولة و المجتمع الصحراوي في تعرفهم على التزوير في حياتهم السياسية تجاوز المستوى الذي حدد لوزارة التنفيذ عموما ، فالوزير في نظامنا و حسب ما يخوله القانون يعين من قبل الرئيس وهو مسئول أمامه ، ويعفى من مهامه بمقتضى إرادته ، ولا يملك الوزير سلطة القرار في القطاع الذي يتوزر فيه ، فالرئيس هو الذي يحدد التوجهات العامة للدولة ، و يقتصر دور الوزراء على تنفيذ هذه التوجهات هذه الحقيقة الخفية لوزرائنا تقابلها حقيقة أخرى تعمل على تضليل الرأي العام الصحراوي في شخص الوزير الذي تصوره صاحب حق كامل التصرف في وزارته وبين الحقيقتين يعمل التنظيم على إشباع رغبات الوزير المادية ما لم يصل إلى التوجهات العامة ويكون بذلك قد خفف من الضغط الممارس عليه من طرف العارفين بسيل السلطة الجارف ، كما قد يبدو للوزير نفسه أنه مالكها الخاص الذي يملك حق البناء و التكسير في هيكلة الوزارة ، و ترميمها.

هذه الوضعية التي تعيشها الحكومة الصحراوية تتجسد من خلال التأمل في وزراء الرئيس، الذين يحظون بمكانة مادية ومعنوية تتجلى في واقعهم المترف بكل أساسيات الحياة الرغدة.
 ففي مرحلة السلم ، وبعد كل مؤتمر يخرج بحكومة جديدة ؟ ، نجد أن السلطان حاول بناء حكومة إتلاف من جميع أطياف المجتمع الصحراوي حيث يركز على أن يكون لكل طيف تمثيل يختلف من حيث الوزارات وأهميتها ، أي في شكل حكومة لبنان وإن كنا نختلف من حيث المرجعية الدينية ، و الملاحظ و عبر المؤتمرات و التعيينات السابقة خاصة في مرحلة السلم , أن الوزارات المهمة تكون دائما نصيب رفاق السلطان ، الذين لا يمكن لشخص معرفتهم غير الرئيس لأنه لا معيار يميزهم غير الذي يعرفه عنهم ، أما الوزارات الأخرى تكون غالبا من نصيب الأعضاء الجدد في السلطة .
أما من حيث اللون السياسي فكلهم من الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و واد الذهب ، رغم ذلك نجد من بين الوزراء المتضامن والمختلف أما المتضامن فالوزير الذي ينصاع تحت رغبة السلطة ، أما المختلف فالوزير غير الراضي عن طريقة عمل الحكومة و طابعها السلمي في الواجهة لكنه لايستطيع التغريد خارج السرب الوزاري ، الذي يشكل في غالبيته مجموعة من المتضامنين ، أما عندما نتأمل في معدلات سن الوزراء ، نجد أن أكبرهم الغالبية يصل إلى ما بين 65 و75 سنة ، و أصغرهم و هم قلة يصل إلى ما بين 39 و 49 ، الأمر الذي يجعل الجميع ينظر إلى حكومة الرئيس على أنها حكومة شيوخ لا يستعطون تدبير الشأن العام ، و أنها منتهية بيولوجيا , أما من حيث مؤهلات الوزراء نجد نصفها غير مؤهل علميا ، فيما يتراوح الباقي بين الباكلوريا و الليسانس مع دكتور واحد أو ثنين ـ والله أعلم ـ ، هذا من جهة و من جهة أخرى نجد أن الحكومة الصحراوية كلها دكاترة لا أحد يعرف كيف و متى حصلوا عليها ، أما عملها فتوصيات المؤتمر الشعبي العام و البرامج السنوية غنية لدرجة تسيير ديمقراطي راقي ، لكن ضعف الحكومة و من خلالها السلطة يجعل كل ذلك حبر على ورق بترت أطرافها وفقدت لونها الأصلي ، في حين نجد المؤتمر الأخير قد ركز على التكوين العلمي و التدريبات و الملتقيات و الجامعات الصيفية للأطر كوسيلة للرفع من مستوى إطاراتنا و مختلف أدواتنا التنظيمية

أما من حيث التأنيث نجد وزيرة الثقافة و وزيرة التعليم ، حيث لا يشكل أوجود المرأة ربع الحكومة الصحراوية ، في حين كان الخطاب الرسمي يركز و بأستمرارعلى إشراك المرأة و الشباب داخل الحقل السياسي ، لتبقى الكلمات في الخطاب دون تطبيق ، أما الشباب المنسي و بفعل تراكم تجارب مريرة لحكومات محمد عبد العزيز طوال أكثر من 35 سنة ، كانت تتجدد و عبر كل مؤتمر و حركية ، بوزارات تبحث عن تعين شخص أكثر من هدفها العملي الاجتماعي لخدمة المواطن ، وكثيرا ما نجد وزارات لا فائدة منها غير إشباع رغبة أشخاص أكثرهم عاش سنوات من الخلاف مع السلطة الصحراوية ، كما يلاحظ أن إنشاء وزارات جديدة لا ينطلق من قوانين إنشاء الوزارات ، بل ينطلق من البحث عن تشعبات و امتدادات جديدة للتنظيم علاها تعطي الحكومة شكل أخر من الأشخاص يقتصر التعامل معهم في تهميش تام للوزارات الأم و أربابها الأمراء ، كما يمكن حصر الكثير من الوزارات داخل وزارة واحدة ، وإن كان إسمها طويل ، علها تشعر الوزير المكلف بها ، ثقل و حجم وزارته المنسوبة إليه.
.
والحقيقة أن الوزير الصحراوي تراه يجتهد و بامتياز على اللقاءات الحكومية خاصة الرئاسية منها و التي تشترط حضور الرئيس ، فيما يقبع الأمين العام للوزارة متفانيا في تنفيذ أوامر الوزير و تسيير برامج الوزارة ، في حين نجد وزارات يسهر على تسييرها وزيرها في غياب تام لكافة موظفيها الناجحين في الإخلاص لوزيرهم الوزارة ، كما نجد معظم الوزراء هم أعضاء الأمانة الوطنية مما يطلق عنان الوزير الصحراوي في فضاء حرية التصرف ، متوكلا على عضويته في الأمانة ، حيث نجد أن توصيات المؤتمر الأخير طالبت ، إيجاد الخطط اللازمة لحماية الإطارات الملتزمة والمتفانية من تأثيرات الواقع المادي والاجتماعي، والوصول إلى جعل نتائج هذه الخطة مجال استقطاب واسترجاع للإطارات. وهنا درس ثمين نستخلصه من توصيات المؤتمر ، حيث يبدو أن السلطة تشعر بل تلمس حقيقة الوزير النابعة من نظرته السلبية في التعامل مع المواطن الصحراوي ، وامتلاكه ممتلكات الشعب ، وتحويلها والاستفادة منها استفادة المالك لماله ، ويبقى الوزير الصحراوي المفعول فيه و به سياسيا و رغم واقعه العليل ، يخاف من السلطة في نوع من الطاعة للرئيس و حضور كل الوقفات و الاجتماعات ، مع جهله للقضية و أخر مستجداتها ، أما عن المناطق المحتلة ، يرى الوزير الصحراوي أن أخبارها من خلال الجزيرة أفضل , كما يقال أن وزيرا ـ وبكل أسف ـ أتى إلى مسرح عملية اختطاف الرهائن وقام بسؤال العامة من المواطنين : ماذا حدث يا قوم ؟.

وليس ثقل المسئولية هو ما يخيف الوزير الصحراوي ، لكنه الخوف من السلطة و تقلباتها العبثية ، فمن ناحية ، تلقي السلطة بالعبء كاملا على كاهل الوزير ، و تمنحه صلاحية التصرف المطلقة وهو فخ مراوغ تنصبه السلطة للوزير، وتعمد إلى إطلاق اليد ، و عدم المساءلة و المراجعة ، لتسوقه في النهاية إلى قبره ، حيث يغدو الوزير وحده حامل المسئولية و الجريمة ، و مستحق للعقاب و المساءلة ، ومن وراء ذلك كله تختفي السلطة نزيهة بيضاء اليد عند القاعدة الشعبية المنقسمة بين وزير يريد العدل ولا يعرفه و سلطة تعرف العدل ولا تريده ، و يحمل الوزير الظالم وزر كل الأخطاء ، التي كانت بعيدا عن أعين و مسمع السلطة ؟، عندها يعزل الوزير و تتم تصفيته على كل المستويات ، اللهم بعض الوزراء المتمرسين الذين يملكون من المعرفة العميقة بثغرات السلطة و دهائها ، ما يجعلهم يتصرفون دون السقوط في الفخ المنصوب لهم ، وفي هذا الواقع تنعدم الثقة بين الوزير و السلطة ، فيصبح من السهل الوشاية التي تنطلق منها السلطة في تشخيصها للوزير ، فتمارس عليه نوع من الضغوط المتمثلة في التقليل من صلاحياته ، ومع ذلك لا تسائله ولا تراجعه أي (السلطة)، ولكن و الحال حال الوشاية قد يذوق أصحاب الوشاية مرارتها في يوم من الأيام عندما تنقلب الآية عليهم ، ليدركوا جميعا حقيقة الفخ المنصوب لهم
 وفي ظل هذا الواقع بين السلطة و الوزير يجد الوزير الصحراوي نفسه في عالم السلطة الخبيث ، لا يعنيه حجم المسئولية الدينية و الأخلاقية و الوطنية اتجاه شعبه و الوفاء لعهد الشهداء ، بقدر ما يبحث عن حماية نفسه من السقوط من السلم الوزاري ، وتصفيته المادية و المعنوية ، ليبقى أسير الخوف من تلك اللحظة التي تظهر فيها السلطة وجهها الحقيقي الماكر ، فتتنكر له و لخدماته طوال عمره النضالي ، فتتركه بين سلطة قذفته و قاعدة عرفته ، لا فائدة فيه ، وبين الوزير القديم و الجديد وجب على السلطة محاسبة الكل حسب عمله و وزارته ، كما وجب التقليل من الوزارات التي في غنى عنها ، مع الفصل بين الوزير و عضو الأمانة الوطنية حتى يسهل التعامل مع كل تقاعس أو تشويه يضع الوزير والحكومة كلها محل نقد الجميع ، أو على الأقل إذا كنا ننعت الحكومة بالكثير من واقعها السلبي السحيق الذي يجسده الوزير الصحراوي ، على الأمانة الوطنية أن تبقى نزيهة لكونها التمثيل الشرعي للشعب الصحراوي.

وهنا يمكننا القول أن السلطة و الوزراء و عبر هذا الواقع الهش فتحوا مساحة للنقد الذاتي ، ربما على غير وعي منهم ، لكي يمارس المواطن و المثقف حضوره النقدي ، على أساس ما نعيشه اليوم من أفعالها و تصرفاتها التي تبقى دون المستوى المنوط بها و تطلعات شعبها المجاهد الصامد.

Salehbrahimsaleh@yahoo.es