اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

البوليساريو بين ضرورات التقويم وهواجس الفشل

كتب بواسطة : futurosahara on 20‏/11‏/2011 | الأحد, نوفمبر 20, 2011

بقلم : يحي محمد سالم
عضو المكتب التنفيذي لاتحاد العمال / مكلف بالإعلام والتكوين
في عز الربيع العربي الخلاب  وبين متطلبات اللحظة الراهنة  المرتبطة بإملاءات الزمن والمكان وبين خصوصية الوضع التي تفرض نوعا من التأقلم ممثلا في إلتزامات متشعبة يمتزج فيها المأمول بما هو ممكن وبالذي يستحيل أن يكون نجد انفسنا مجبرين على التفكير بصوت عالي متسائلين عن ماهية الخطوة القادمة  .ونحن من يستعد لعقد المؤتمر الشعبي العام 13 ,كيف لنا ان نتاقلم مع وضع عربي جلي التغيير وسريع التحرك الى الإستناد الى شرعية الشارع بعيدا عن ابجديات "الأوصياء" ومتحررا من "هالة الزعامة"  , شارع متمرد على كل القيم "المزيفة " التي أبقته سجينا لرغبات القادة و الحكام  وابناء "الطبقات الفطرية"  التي وجدت أنفسها غفلة سيدة حتى على تفكير الجماهير أين نحن من كل هذا الحراك الشعبي الجارف في الشارع العربي , وهل حقا نحن معنيون به؟ ليس من كوننا صنعنا "شرارته" فقط بل لكوننا في أشد الحاجة إليه ومن الجهتين طبعا – تحرير الوطن وتحرير السلطة- وبالتالي تحقيق السيادة بمعناها المطلق وليس المفرغ , مامدى حاجتنا الى هذا "المد الديمقراطي العربي" ونحن شعب لاجيء تقوده حركة تحرير محكومة بأولوية توحيد الصف الوطني الصحراوي خلف شرعية واحدة؟ , هل تمتلك قيادات التنظيم الشجاعة الكافية لتعلن إفلاسها ؟! كمسؤولين لاكأشخاص  ,بعد أن إنتقل داء الخيبة منها الى فعلها "العمل التنظيمي أساسا"  ألم يعد بقائهم على رأس الهرم وهم مفلسون سياسيا يهدد بهدم المشروع كليا ويثير حقا هواجس خوف حقيقي من ان تضمحل القضية ككل ، الى أي مدى نحن قادرون عى ضخ دماء جديد الى عروق البوليساريو كحركة والى التنظيم السياسي بشكل عام؟ ,ماهي الاولويات التي ننطلق منها ونحن نخوض غمار معركة تحديث وإعادة تاثيث البيت الوطني الداخلي ؟ وكيف يمكن لنا المزاوجة بين معركتي التحرير والديمقراطية ؟  ولماذا لانتحرك إلا حين يكون السيل قد بلغ الزبى ؟! , هذا مجرد قيض من فيض أسئلة تتزاحم في صدر كل صحراوي أينما كان وتجبره على التفكير مليا متمعنا بدقة فيما يمكن ان تؤول إليه الاوضاع حتى لايصحو يوما فيجد ان الذي أفنى فيه أبناء جلدته أعمارهم قد تحول الى رماد تذروه الرياح وأن الحلم الوردي الجميل الذي راوده كثيرا قد تحول الى كابوس مفزع واعتقد شخصيا وهذا – ليس من منطلق رؤية عبقرية متفردة ولاباع طويل في ممارسة السياسة ولا حتى إعتمادا  على دبلوم في الدراسة  وانا الذي كنت ولاازال أحد الجنود المقاتلين في صفوف جيش التحرير الشعبي الصحراوي – أننا ملزمون بمراجعة كل شيء حتى في تفاصيله الدقيقة إذا ما اردنا حقا الخروج من عنق الزجاجة  وإعادة البريق "أملا وعملا" الى تنظيمنا الطلائعي بإعتباره البوتقة الجامعة لكل الوان الطيف الوطني الصحراوي ,  وأعتقد ان ذلك يمر حتما عبر البوابات التالية :  
1-  في المستهل .التعديل:
وربما تبدو حتى الكلمة في مدلولها اللفظي أسهل وقعا في آذان الصم ممن يسمعون ولكن طول بقائهم في الكراسيء أورثهم عجزا حتى في كل شيء  مع تسليمنا المطلق أن  - وتحت ضغط الزمان والمكان ان الحديث عن الديمقراطية بمعناها المستند  الى  مرجعية السيادة والمحتكمة الى قاعدة شعبية منسجمة وواعية  تتحكم في مواردها وبالتالي في مقومات التحرر من التبعية اي كان شكلها – هو حديث سابق لأوانه مادامت معركة تحرير الوطن "أرضية السيادة والثراء" لاتزال قائمة وعليه فإن الامر كله  "الإصلاح الديمقراطي " مؤجل الى ان يتحقق التحرير على ان ذالك لايلقي أبدا إلزامية التفكير الجدي والصادق عن فلسفة تنظيمية جديدة ومتطورة تواكب مجمل التطورات الحاصلة "داخليا إقليما ودوليا" وتستوعب مطالب مختلف النخب وتسمح بشكل اكبر لديناميكية التغير أن تعمل مع إيماننا أن فرضية الإصلاح التي تبناها الكثيرون وأستهجنها آخرون -أفرزت في الداخل شقاقا كاد ان ينتقل الى حرب بين شريحتين – لابد وان يمر حتما عبر بوابة التعديل .
فالتعديل يسمح بان تتم مراجعة الأشياء الجوهرية  وإعادة أقلمتها مع متغيرات الوضع ومتطلبات المرحلة وبالتالي يسمح بإمكانية المراجعة المتأنية التي تفتح المجال امام أي مبادرة قويمة هدفها الدفع بالعجلة الى الامام وتحقيق فعليا ما اراده الصحراويون  وهو دولة مستقلة حرة وديمقراطية  ولكن ذلك لن يتأتى حتما ونحن مسكونين بهواجس الوضع الداخلي الرهيبة وليس ضعف  الأداة التنظيمية وعدم قدرتها على التأثير والإستيعاب إلا نقطة في بحر من المعضلات التي لابد من مراجعتها وإعادة ضبط آلياتها وتقييمها تقيما جديا وشجعا خالي من كل أسباب التزلف والتملق  للأشخاص والتي أودت بنا الى مانحن فيه
وعلى العموم وإن كان ولابد من الإختيار بين زوال القضية ككل  وزوال الزعامات فإن الجواب واضح وضوح الشمس فالصحراويون إن لم يكونوا قادرين على زحزحة الزعامات الملتحمة بالكراسي وعلى فرض إرادتهم على ابناء جلدتهم فإنهم لا يستحقون حتما ولا يرقون أبدا الى مقام مقارعة الآخرين بل وليسو مؤهلين والحال هذه الى ان ينعموا بدولة مستقلة مع التأكيد اليقيني بأننا نريد دولة مدنية مستقلة تحترم قيم الديمقراطية وتدافع عنها .دولة لاتزول بزوال الرجال  ولا نريد دولة من خليط الطين والكرتون ملتجئة الى أبد الآبدين  مرتبط وجودها بوجود الأشخاص الذين يتزعمونها .

2- العودة للاصل فضيلة :
إن العودة بالتنظيم الى سنوات عزه مرتبط أساسا بالعودة الى روحه القتالية  الشجاعة وإلى نبل وقدسية اهدافه المشروعة-  بإعتباره المشروع الوطني الكامل الذي إستثمر فيه الصحراويون  ككل اعمارهم واموالهم التنظيم الذي كان اول ماخاطبهم به هو "كل الوطن او الشهادة"  بل وقدم فيه المؤسس والزعيم الروحي للمشروع  الشهيد الولي مصطفى السيد روحه الطاهرة فدية على مذبح الحرية, سنًّا بذلك سنة حميدة وعقيدة ثورية فريدة لم يمارسها احد بعده قط فماتت وللأسف بعد إستشهاده مباشرة -  نحن لا نريد مشروعا مشوها تستهويه ملذات الدنيا ويلهث خلف سراب ساستها المهوسين بالظهور على الشاشات حتى من دون مناسبة  ومولعون بولوج الابنية الزجاجية لا ساحات الوغى الصاخبة .
لقد كان التاثر مفجعا والتاثير أكثر وقعا وإيلاما  فسلسلة خيبات الأمل المتكررة بدا من خروج جحافل قوات المحتل  من وكرها عام 1991  مرورا برالي باريس –دكار   2001 وإنتهاءا بتفكيك مخيم أقديم ايزيك العام الماضي  الى الدور الرمادي الباهت للأمم المتحدة بل  و" المتحيز بإمتياز" يضاف الى ذلك كله الإعتلال المزمن في تمفصلات النظام بشكل عام كلها عوامل اورثتنا ركوعا كاد يخنقنا لولا شفاعة الإنتفاضة الباسلة  التي أعادت الى الصورة شيء من رونقها وعنفوان فعلها الخلاق
لقد كان لفعل "التغيير المفتعل"   الذي جاءت به 1988 أثرا بالغ على حركية التنظيم بشكل عام لأنه تأسس على "ثقافة لفقايع" ولم يتأسس على إرادة جدية في التغيير  ما تسبب بعد ذلك في تعطيل ديناميكية الحركة بل تم تحويل الإنتصارات والمكاسب الوطنية الشعبية الى مغانم خاصة مرتبط مردودها بالشخوص الماثلة في الأمام ما ادى في النهاية – نتيجة لتراكم عوامل عدة- الى فشل البوليساريو الذريع في التحول من حركة مسلحة الى حركة سياسية محضة  وهذا الأمر أي الفشل لا يحتاج الى ذكاء حاد ولا إلى تفكير مليء لأنه واقع معاش تدفع القضية برمتها ضريبته يوما تلو الآخر بل أخشى ما أخشاه أن تكون المتاجرة "التبتيب" قد وصلت حتى للمصير بعدما إستنفذت كل أوراق المراهنة .. ولويكيليكس في الحديث بقية .
والواقع ان هذا الفشل ليس رهين اللحظة ولاهو صنيعة لحالة للاحرب وللا سلم مثلما يعتقد الكثيرون بل أنه كان عملية إنقلاب ممنهج على الفكر التقليدي للثورة الذي أسس له الشهيد الولي مصطفى السيد والمبني أساسا على القدوة الثورية الحسنة المرتبطة والمتصلة بالجماهير القائمة على مصارحتها بالحقائق والشجاعة في الإعتراف بالأخطاء من خلال النقد الذاتي البناء المستند الى قيم الشفافية والمحاسبة والمعاتبة والتحليل الموضوعي للأشياء
لقد كانت الإرادة واضحة في إزاحة بل وإقبار البصمة الثورية التقدمية التي اضفاها فكر الشهيد الولي على القضية وتغليب عليها الفكر البراغماتي الذي لا يصحو إلا حينما يتعلق الأمر بالمناصب أو المكاسب ، فأنتقل الخطاب تدريجيا من كل الوطن أو الشهادة الى الإستقلال الإستقلال سلما او بالقتال بل تحول الإستقلال أخيرا الى مجرد "الحق في تقرير المصير" وذلك اضعف الإيمان !
إن الإستكانة الى هذا الوضع المزري وفي جميع النواحي والبقاء في موقع المتفرجين هو تواطؤ مفضوح من كل الثوار الغيورون على قيم واهداف ثورة 20 ماي الخالدة  مع سُراق  المجد وتجار القضية الذين لا نأمن منهم أحد فمتى ما ضاقت به الاسباب تجده يقبل اليد الملكية الغاصبة التي لاتزال ملطخة بدماء الصحراويين الشرفاء ومع أني لا أقاسم أحدهم – أي إطارات التنظيم وكوادره – العداء الشخصي بل واحترمهم كأفراد إلا أنني كمواطن أعاتب فيهم كمسؤولين اللعب بمسيرة الشعب ومصيره والومهم على البقاء ظلا ابديا لقضية ماكانت لتكون لولا تضحيات الشعب الصحراوي الباسل البري .
إن العودة بالجبهة الشعبية الى مربعها الأول كحركة تحرير ثورية مسلحة تتولى مسؤولية إستيعاب وتجنيد كافة الطاقات الوطنية في معركة التحرير التي يلعلع فيها صوت رصاصة الحق والحرية هو الدرب الوحيد الكفيل بإعادة الهيبة لكرامتنا المهدورة وهو وحده الأسلوب القادر على صيانة الوحدة الوطنية بمعناها الإلتحامي والفدائي الشامل وليس بالمعنى القبلي الضيق على ان إشراك كافة مكونات الجسم الوطني وفئاته وإستنفارها لهذه المعركة وبالأخص القوة الشبانية الضاربة التي-  بدأنا نفقدها للأسف  -  هو مفتاح السر في كل هذه العملية الصعبة والتي تتطلب قدرا كبيرا من مصارحة الذات والتمثل بنموذج الشهداء الذين لولاهم لما نمت أجسادنا بما رحمت من ملذات, أن الحركة الآن   ونحن على بعد أميال من عقد المؤتمر الثالث عشر  أمام مفترق طرق صعب، وعليها ان تحدد أي المسارات تختار فإما أن تقوم نفسها من خلال وقفة صادقة جدية وشجاعة تستأصل مواطن الفساد وتداوي جروح العجز الإداري والسياسي فتعود الى سكة الفعل الثوري المستند الى شرعية الحق والأهلية والمدافع عن وجود الكيان الوطني الصحراوي الجامع لاكيانات "التموقع الزعاماتي" والتقوقع القبلي المشين .
وإما البقاء رهينة لتجاذبات الساحة الإقليمية والدولية مضاف إليها المعطى الوطني المحتقن الذي يعاني الإنفصام بين القيادة والقاعدة والمهدد بفشل المشروع ككل وتلكم الطامة الكبرى ..!
قد آن الآوان لأن ننفض عنا غبار السنين العجاف وان نمشط ان افواه مدافعنا خيوط العناكب التي عشعشت عليها لأزيد من عشرين سنة  والأهم الا تموت فينا إرادة ان تكون الجبهة الشعبية مثلما أرادها شهيد الحرية والكرامة أن تكون حين قال:"نحن اصحاب حق , وأصحاب حق لسنا جبناء .." , لافي مواجهتنا مع انفسنا ولا في مواجهتنا للإعداء وسنبقى على العهد سائرين منطلقين من أن :
كل الوطن امر لامناص منه            أو كلنا على ارضنا عظاما وجماجما
وعلى ارواحنا السلام


بقلم : يحي محمد سالم
عضو المكتب التنفيذي لاتحاد العمال
مكلف بالإعلام والتكوين