اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

المؤتمر : السفينة ونذر الإعصار

كتب بواسطة : futurosahara on 22‏/11‏/2011 | الثلاثاء, نوفمبر 22, 2011

حمادي البشير
لم ترس سفينة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب يوما، كتب لها أن تبقى في مهب ريح البحر ليس ابدا ولكن منذ دخولها عباب المياه. والبحر مثل المزاج يتقلب من ثانية الى اخرى ومع تموجاته وغضبه تهتز السفينة ويتأثر مسارها، ويصرخ الربان والبحارة على حد السواء ويقومون بما يلزم من شد الاشرعة او طيها، رمي الحبال او فك عقدها او لفها، التخلص من اكياس الوزن، التجديف من اليمين او الشمال، صعود النظارة فوق الصواري لاستقراء قوة العواصف والتقلبات......كل ما يلزم لأن تبقى الباخرة فوق الماء (وإن مائلة) ولكن طافية، إلى ان يهدأ غضب الطبيعة ويصبح الربان والبحارة قادرين على لملمة الاشياء والتصليح والترقيع والعودة بالمركوب الى حالة يمكن بها الاستمرار في الابحار عل الصباح الموالي يوصل الى الديار وبر الامان
تختلف العواصف بإختلاف إتجاه وقوة الريح وايضا عمق المياه، ومع هذا الاختلاف تتهيأ الراسية وطاقمها للمواجهة وفق ما يقتضيه الحال وما تستوجبه الصعوبات، وعندما تكون في لج البحر ووسط كف العاصفة ليس امامك الكثير من الخيارات، وعليك ان تنسى خلافاتك مع الزملاء والربان، ولا من مصلحتك أن تثقب نصيبك من ارضية الماخرة، عليك ان تتحلى بالشجاعة والقوة والسيطرة على الذات لمقارعة الخطر، عليك ان تغلب مصلحة وحب الاخرين على مصلحتك وغاياتك، عليك (وانت مجبر) على مراعاة سلامة الكل ليسلم لك جزءك.


وتختلف ايضا السفن والمراكب من حيث النوع والقوة وشخصية القبطان، والاهم هو اختلافها من حيث نوع الركاب. ركاب سفينة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب هم الشعب الصحراوي شملا، فهي الممثل الشرعي والوحيد والحاضن له ولتطلعاته وآماله. الشعب الصحراوي برمته يشترك في حوض عائم واحد لم يتسن له بعد الرسو ولكنه ابحر ويبحر بقوة وصمود الواثق من انتهاء المسار بأمان، فما السر في ذلك يا ترى؟ هل السر في قوة السفينة وإتقان صنعها، هل هو خبرة القبطان، ام هل يكمن السر في نوعية وتميز الركاب؟
السفينة صممت بإتقان وصنعت ببراعة ولكنها تعرضت للكثير من المطبات والاصطدامات وإهمال التقنيين، وقانون الطبيعة لا يمكن التنكر له فأحدثت كل تلك المواجهات والتجارب المرة عيوبا وإخلالات في بدن المتن، الربابنة إنس او بشر مهما كانت براعتهم وقوتهم وخبرتهم هم عرضة لفعل واسباب الزمن من تلف وتجاعيد وخرف، الركاب خليط رائع من الأمزجة والعقليات والاعمار والافكار، ولكنه ايضا مزيج باهر من المهارات والقدرات والكفاءات. ولاخلاف على ان عبارة بدون ركاب تقل اهمية بكثير عن المأهولة من السيارات المائية
لا احد ولاشئ يمكنه منازعة الركاب الدور الرئيس والهام في بقاء السفينة عائمة فوق اليم، فكثيرا ما ظهرت علة في جسمها فيتنادى الجمع للإحاطة بالأمر لينتهي بلمح البصر تحت تأثير قوة الجماعة، لطالما اخطأ القباطنة فيستعينون في تصويب الخطأ بالركاب عامة ولن يستقيم لهم الصواب دون إنصهار الكل فيه. والبحار لم تذكر ابدا نجاة سفينة ساد الخلاف اوساط روادها، كل الرواسي التي تعارك ركابها على متنها أخذتهم الى القاع ودفنوا بالماء والتراب ولم يبق من ذكراهم إلا ان البحر يسجل دخولهم الى جوفه، ويوحي بالقول أنهم لا يستحقون الحياة
المؤتمر الثالث عشر للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب أو السفينة التي تحمل الشعب الصحراوي مثل كل المراكب التي تغامر بمواجهة وقتال الامواج تسير هذه الايام في مياه تتماوج بإنتظار ما سيأتي به الافق المظلم المكفهر، السماء من فوقها ملبدة يتطاير منها شرر البرق ويزمجر بعده صوت الرعد، وكل المؤشرات تنذر بالعاصفة. إنها ليست العاصفة الاولى التي تواجه الصحراويين ولكنهم بخبرتهم يعلمون انها متفردة ولها خصائصها، وبالعودة الى ان الركاب هم من سيتولى المعاملة مع الاخطار مهما كانت بليغة فلاخوف على المركوب ولا على المسار
تنطلق كل راسية من المرفأ ومعها معلومات وافية عن الطقس وخرائط وتيارات الماء، يضعها القبطان في الاعتبار حين اجلها، ومن أهم التنبيهات الواضحة والبينة في مطوية سفينتنا تحذير واضح من مغبة الاصرار على ما يضر المسار، وإغفال علامات السماء والتمادي في البعد عن الاطلاع على اوضاع المسافرين ففي ذلك ما يدفعهم الى التفكير في تعدد الخيارات والى الاختلاف عليها وسيكون الامر موجة عنيفة على ظهر السفينة أكثر هي خطورة من صفعات المياه الهائجة. فالالم الداخلي اكثر مرارة من محاولة تفادي اوجاع تسببها عوامل خارجية يمكن التعامل معها. او بكلمات اخرى ستواجه المركبة عاصفتين لا قبل لها بالفلاح في وجهيهما، عاصفة على المتن بذاته (حين يتحول البشر الركاب الى امواج بشرية غاضبة نفذ صبرها) وعاصفة من الطبيعة لاتحتاج الى كبير وصف إذا ما عدنا بذاكرتنا الى تسونامي الذي لم تقف في وجهه اعتى البنايات فما سيكون حال السفن الصغيرة