اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

لنعقد المؤتمر الأكثر جدلا في تاريخنا: الحل.. الحل.. الحل

كتب بواسطة : futurosahara on 08‏/12‏/2011 | الخميس, ديسمبر 08, 2011

السيد حمدي يحظيه
مؤتمر مثير للجدل حقا..!

أيام وسنعقد المؤتمر الشعبي العام الذي دأبنا على تخليده كل أربع سنوات. . المهم أننا هذه المرة، اعترفنا بذلك أو لم نعترف، ذاهبون إلى المؤتمر الأكثر جدلا في تاريخ حركتنا التحررية، وفي تاريخ كل مؤتمراتنا الماضية. والذي قد يجعله المؤتمر الأكثر جدلا هو أننا ذاهبون إليه بتصورات مسبقة مع سبق الإصرار، متباعدة تباعد الأرض عن السماء. قديما كنا نذهب إلى المؤتمر لوضع استراتيجية وطنية تنصبُّ كلها على تحرير الوطن، أو على الأقل استراتيجية تقربنا من الحل، أو- وهذا اضعف الأيمان- تجعلنا نقطع خطوات إلى الأمام نحو الحل.. كنا أيضا، كلنا، نتفق ولو ظاهريا قبل انعقاد أي مؤتمر على مناقشة ما يُسمى الوثائق التحضيرية التي ستناقش في الجلسات. الآن لم يحصل أي شيء من هذا.. النقاش التحضيري كان مفتوحا، ونتيجته هي هناك اختلاف كبير يثير جدلا صاخبا، ضاجا بين النخب السياسية والمثقفة والأطر الصحراوية حول ماذا نريد من المؤتمر الحالي وما هو الحل.

الذي يميز هذا الفترة التي سينعقد فيها هذا المؤتمر هي عدم اتفاق – وهذا يحث أول مرة في تاريخنا- الذاهبين إلى المؤتمر على ما هو الحل، أو ما هي السُبل التي ستؤدي بنا إلى الحل. وإذا كان الكثير منا، خوفا من خدش مشاعر الناس العامة، يقول نظريا، على الورق، في الندوات والمؤتمرات أن المؤتمر يجب أن يشحذ الهمم ويوحد الصفوف ويخترع آلية أو استراتيجية لنحرر بها الوطن، إلا أن الحقيقة إن ما يُطرح خارج الندوات من تصورات ومن اختلاف بيِّن متباين يجعل الخوف يتسرب إلى نفس أي وطني غيور على المستقبل وعلى القضية.

نقولها مثل صراحة الشمس: هناك الآن اختلاف كبير بين النخب الصحراوية حول الحل أو السبل إلى ستفضي إليه، وحول حتى الأولويات. هناك الكثير من اللغط، الصراخ، الصداح، الصياح حول: الحل هو كذا.. لا.. الحل هو كذا.. لا الحل هو كذا.. وفي خضم هذه الجعجعة من التناطح " الفكري" حول ما هو الحل.. أو الحل هو كذا، قد لا نسمع كلنا أي شيء، وقد لا يسمع أحد الآخر، وقد نخرج جميعا خاسرين نلحس جراحنا ونعض أصابعنا ندما، وندفع ثمن ذلك مستقبلا. . لنرى ما هي جملة الحلول المقترحة من طرف هؤلاء وأولئك :


1
الدولة المستقلة هي الحل
هذا هو شعار المؤتمر. ومن يحاول قراءة ما بين سطوره يمكن إن يصل، دون كبير عناء، إلى الاستنتاجات التالية: - شعار يحمل الكثير من التفسيرات والتأويلات. من جهة الدولة الصحراوية المستقلة، المُعترف بها من طرف 86دولة، العضو في الاتحاد الأفريقي، التي لها الكثير من السفارات هي موجودة منذ عقود على الأرض وفي السماء ونملأ بها أسماعنا وأسماع غيرنا يوميا. إذن منذ عقود، منذ 27 فبراير، ونحن دولة مستقلة، تكافح وتقاتل خارج عن سيطرة الاحتلال وتمارس وظائفها بطريقة عادية. إذن لو كُنا قلنا أن التحرير هو الحل، لكان يمكن أن تُقبل الفكرة. وإذا كنا نستطيع أن نؤول هذا الشعار ونناقشه أو حتى ننتقده، لكن في النهاية، واحتراما للديمقراطية، يجب أن نحترمه كفكرة يؤمن بها بعض الصحراويين هكذا أو على الأقل جاءت بها اللجنة التحضيرية.
2
التغيير هو الحل..

الحل الثاني الذي ينادي به البعض الآخر، والذي يجب أن نحترمه أيضا، ودائما طبقا للعبة الديمقراطية، هو "التغيير هو الحل". هذا المطلب أيضا، مثله مثل شعار الدولة لمستقلة هي الحل، يمكن أيضا تأويله. أي أنه مطلب فضفاض ويحتاج إلى التدقيق أكثر حتى نفهم ما الذي يريد هؤلاء الباحثون عن التغيير: هل يعنون ترتيب القيطون\ الخيمة الصحراوية من جديد وتغيير أثاثها وأعمدتها وحتى طريقة بنائها. هل يعنون تغيير الاستراتيجية المتبعة، هل يعنون تغيير السلطة، هل يعنون أن نفكر في طريقة أخرى ننتهجها من الآن فصاعدا غير طريقة المؤتمر، هل يعنون تغيير كل شيء: الاستراتيجية والسلطة معا وسلطة المؤتمر.. إن الكثير من هؤلاء الذين يفكرون في هذا الحل، ويؤمنون به يرون أننا قبل أن نحرر الصحراء يجب أن نغير واقعنا الحالي كله. أي أنه علينا أن نخوض معركة تغيير شاملة للواقع أولا، بعد ذلك نحرر الصحراء.

3
تغيير السلطة هو الحل

الحل الذي ينادي البعض الآخر والذي يعتبره هو المفتاح للوصول إلى الاستقلال هو تغيير السلطة وكل الذين خدموا فيها. أي تغيير الرئيس، الوزير، الموظف، العريفة، السائق، الطباخ إلخ.. الذين يؤمنون بهذا الحل يعتقدون أيضا أنه، حتى نحرر الصحراء، يجب أن نخوض معركة تغيير السلطة بحذافيرها، ونقُصُ أظافرها وحوافرها، ثم بعد ذلك نضع استراتيجية للتحرير. بتعبير آخر – حسب هؤلاء- إذا ظلت السلطة كما هي برجالاتها وطريقة تسييرها فلن تتحرر الصحراء أبدا.

4
المقاومة، هي الحل

هذا الحل، رغم أهميته، هو أقل حل يتحدث المتحفزون للذهاب إلى المؤتمر عنه. فهؤلاء يقولون أنه بدل أن نقول أن الدولة المستقلة هي الحل، نقول: المقاومة هي الحل، أو الكفاح هو الحل. وحتى المقاومة هي كلمة شاملة ويمكن إن يتسع صدرها ليشمل الكفاح السلمي في المدن المحتلة والنضال في المخيمات.

5
الحل هي العودة للحرب

المؤمنون بالحرب يرون أننا جربنا كل أشكال المقاومة، كل أشكال المطالب السلمية السياسية، لكن بدون نتيجة. إن هذا الفريق يرى أن المغرب المتحصن وراء فرنسا وأمريكا، القوي بقوة المخزن، غير الخائف في الوقت الراهن من الربيع العربي، لا ينفع معه سواء الحرب.
هذه هي الحلول التي يتحدث عنها الشارع الصحراوي الآن، اياما قليلة قبل المؤتمر.

2
مؤتمر مثير للجدل حقا

يجب أن نعترف أننا قمنا هذه المرة، بغير عمد طبعا، إلى تمييع المؤتمر وتحويله عن سكته. فالمؤتمر مثل ما دأبنا على فعل ذلك، وما ترسخ في أذهاننا يجب إن يتم تخصيصه للنقاش حول وضع استراتيجية وطنية للتحرير والنضال. الآن ما يحدث على الأرض يجعلنا نعتقد أننا ذاهبون إلى مؤتمر آخر لا علاقة له بالصحراء ولا بالتحرير ولا بالاحتلال المغربي. فمن يحضر الندوات والمؤتمرات التحضيرية يظن أننا ذاهبون إلى مؤتمر خاص بالسلطة وفساد السلطة ومحاسبة السلطة؛ أي أن لا أحد يتكلم عن الاحتلال ولا عن الانتفاضة ولا عن أي شيء. أما من يحضر المؤتمرات الموازية في الخيام، العرضات، الشارع، المرسى والرابوني فسيظن أننا ذاهبون إلى مؤتمر مكرس كله للانتخابات فقط. كل التحضير الذي يحصل في الكواليس، الخلاء والندوات الخاصة ينصبُّ كله على الانتخابات؛ أي إن الانتخابات والترشيح هي التي ستطغى على المؤتمر منذ الإعلان عن موعد عقده حتى نهايته. وفي خضم طغيان الانتخابات، المحافظة على العضوية في الأمانة والحكومة، المحافظة على المصلحة الشخصية في المكان الفلاني، التموقع والتموضع في المكان كذا، فإننا بهذا سنزيد من معاناة شعبنا في اللجوء وفي المدن المحتلة. فالمؤتمر بدل أن يكون مؤتمر لإنتاج استراتيجية مستقبلية أصبح مؤتمر لانتخاب الأمانة الوطنية والحكومة والبحث عن الوظائف في الدولة لا أكثر ولا اقل

3
مؤتمر مثير للجدل حقا..!

نعود إلى الحلول\ التصورات المقترحة. في الحقيقة إن جملة الحلول\ التصورات المتداولة كلها من ألفها إلى يايها هي ليست حلولا إنما سباحة في الخيال، او فرقعات غير منظمة تنفجر وهناك. فمن خلال التمعن فيها، نجد أنها قد تجعل التحرير أولية، وقتال المغرب أولوية، وبالتالي، تصبح أوتوبيا الدولة المستقلة، التغيير، تغيير السلطة أولوية ويؤجل حل دخول المعركة مع العدو. إن كل الحلول العائمة على السطح، المتداولة على الألسنة بيننا الآن في وجه المؤتمر هي ليست حلولا لإنها ببساطة، وكلها، تريد أن يَظهر في المرآة صورة غير صورة الواقع الواقف أمهاما كما هو. الجميع ينادي بضرورة الحل، ومصر على التعجيل بالحل والرحيل عن البقاء في المستنقع السياسي الراكد، لكن المشكلة في تحديد تصور ماذا يجب أن نفعل وما هو البديل. ما هو البديل للواقع الذي نعشيه، وأصبحنا أسرى له؟ فالذين يقولون إن الدولة المستقلة هي الحل لا يقولون لنا كيف يمكن أن نصل إلى الدولة المستقلة. إن استعمال مصطلح الدولة المستقلة هي الحل، يجعلنا لا نفكر في حل واقعي ملموس يمكن أن نذهب إليه غدا، لكن نفكر في أوتوبيا جميلة قد يستغرق الوصول إليها أعمار أجيال من الخلق.

الذين يقولون لنا أن التغيير أو تغيير السلطة أصبح ملحا قبل التفكير في التحرير لا يقولون لنا، أيضا، ماذا هو فاعلون بعد التغيير. هل لديهم مشروع يمكن أن يقود إلى الاستقلال في أقرب الآجال.؟
إن المشكلة لا تكمن في ما هو الحل، لكن تكمن في الكيفية\ الوسيلة التي نصل بها إلى الحل.

إن كل الحلول المقترحة بدل أن تُسرع الحل قد تجعله يبتعد أكثر. أي إن الذين يرون أن الدولة المستقلة هي الحل، والذين يرون أن التغيير هو الحل، والذين يرون إن تغيير السلطة هو الحل، لا يفعلون أكثر من أن يجعلون الناس تؤمن إن المعركة الحاسمة مع المغرب، الغازي والمحتل أصبحت الآن بعيدة، ابعد من أي وقت مضى، ستتأخر بسنوات، وأنها، باختصار، أصبحت شبه مستحيلة وتحتاج إلى معركة أخرى قبلها لها مسميات كثيرة مثل الدولة المستقلة هي الحل، التغيير هو الحل، تغيير السلطة هو الحل.

يجب أن نعترف أنه تم جرنا إلى معارك هامشية وغير ذات فائدة لن تؤدي إلى الحل الذي يحلم به الصحراويون البسطاء في المخيم أو في المدينة المحتلة. إن الخلاف الفكري حول الحل سوف لن ينتهي بنهاية المؤتمر، بل قد يتطور ويأخذ أشكالا أخرى في المستقبل قد تكون لها نتائج عكسية تماما.
في الماضي كانت المشكلة واحدة: الكفاح ضد المحتل المغربي. كل الجهود والتفكير منصبة على كيفية تحسين أدائنا القتالي والنضالي. الآن لا. هناك أكثر من مشكلة. مشكلة الاحتلال ومشكلة الانقسام الفكري والسياسي الذي بدأ يلوح على السطح. بدأ الشد والجذب فعليا في الشارع وفي السوق وعلى الانترنيت وقد يتطور ويصل إلى القاعدة الشعبية. لقد اخترعنا، للأسف، مشكلة جديدة من تلقاء ذواتنا. الآن قبل أن ندخل في معركة – آيا كان نوعها- مع العدو، أصبحنا مضطرين أن نخوض معركة أخرى اسمها توحيد التصور والتفكير السياسي وهذا قد يحتاج سنوات كثيرة.

والنتيجة أننا بنينا جدارا آخرا نحمي به المغرب. هذا الجدار هو صراعنا الداخلي فيما بيننا حول السلطة، حول توحيد التصور، حول توحيد الفكر، حول الاتفاق على اتخاذ خطوة أو قرار نحسم به المعركة مع العدو. إن صراعنا فيما بيننا وغرقنا في وحل مستنقع اللجوء سيجعل العدو يضغط أكثر- ويستطيع- حتى نفقد الأمل في النهاية ونذهب في مسارب شتى
إذن الحل يتطلب الجراحة المؤلمة، يتطلب الكي، أخر الدواء. إنه ليس من المعقول ولا غير المنطقي أن نَسير بهكذا صراع داخلي مرشح للتطور سنوات أخرى، وغير معقول إن نَسير أيضا نلهث وراء الأمم المتحدة، وبالتالي يجب أن نجعل واقعنا يقف أمام المرآة بنفسه. وبديها سنلتفت يمينا ويسارا، نفكر، ندبر، وسينتهي بنا المطاف عند المربع الاول: لا حل مع المغرب إلا الحرب.