اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

في معنى الحاكم المؤبد

كتب بواسطة : futurosahara on 11‏/03‏/2012 | الأحد, مارس 11, 2012


اسلامه الناجم 
نحن ننتمي حضاريا – مع الأسف – لأمة لا يتغير حكامها إلا بأحد المكروهين الموت أو الانقلاب، وطبيعي جدا أن من يسلم من الانقلاب ويمد له في العمر- الحكام العرب كلهم معمرون- ستنشأ حوله بطانة منافقة متملقة، منتفعة من وجوده واستمراره، لا تسمعه إلا ما يحب، بأن البلاد في تقدم، والشعب بألف خير، والاقتصاد في نمو،
والتعليم في أحسن أحواله، والصحة متميزة، والدبلوماسية ناجحة بل رائدة، والبطالة معدومة، والعدل مزدهر، وتلجأ هذه البطانة من اجل تثبيت عرشها، وتوريث مجدها، بأن تصور للحاكم - المعزول في جزيرة من التقارير الكاذبة- أن الذين يدعون واقعا آخرا، إنما هم شرذمة، بعضها مأجور للعدو،  يتآمر على الشعب ومنجزاته العظيمة في ظل القائد الملهم الهمام، و بعضها مغرر به ،غير مستوعب للظرف الراهن الذي تمر به البلاد، والتحديات التي تواجهها .
من هنا ينشأ الفساد، وتستبيح البطانة البلاد ومقدراتها، وتحولها أرباحا، وحسابات بنكية، و أملاك خاصة للعائلة، ومن هنا أيضا ينشأ الاستبداد، فتفصل الدساتير على مقاس الحاكم، وكذلك القوانين، وتجمع بيده كل الصلاحيات، فيتحول الى حاكم مطلق مقدس، وتكون أعماله و أفعاله منة،  وتصبح أقواله حكمة، و مع مرور الوقت يخرج عن الطور البشري، ولولا حاجته الى الطعام والنوم، و التجاعيد التي يحفرها الزمن على جسده،  ومرضه من حين لآخر ووووو  لظن نفسه إلها، فهو يعتقد انه فريد زمانه، قدرة وحكمة وتخطيطا وتسييرا، وان الشعب من بعده يتيم، ومن دونه تائه، فهو الخبير بالشعب وحاجاته، والعليم بحقوقه وواجباته، السميع لمطالبه والبصير بأحواله، وهو الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، حتى وجدنا حاكما عربيا شهيرا  في سبعينيات القرن الماضي، يقول أمام مجلس الشعب  "ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد" واترك لكم التعليق. 
لم يأت تحرك الشارع العربي، سلميا كان أو عنيفا، إلا بعد أن ضاقت أخلاق المواطنين، وضاقت بهم أوطانهم، وامتلأت أرصفة العالم وموانيه، من المهاجرين العرب، الفارين من وطن تحول الى ثكنة عسكرية، أو مخفر بوليس، وبعد أن صارت هذه الأوطان جمهوريات تورث من الأب لابنه، والدساتير تغير حسب مزاج الحاكم وعائلته .
هذه الأوطان الغنية بثرواتها ومواردها المعدنية والزراعية والسياحية والبشرية، صارت جامعاتها في مؤخرة الترتيب العالمي، وخدماتها متدنية، واقتصادها ريعي، يتفشى فيه الفساد والاحتكار، والمنافسة غير الشريفة، والضرائب تؤخذ من الفقير دون الغني، وقطاعها العام نهبا لكل لص يحظى برعاية الحاكم وصحبته .
وبسبب من ديمومة الحاكم، دامت أيضا الحكومات، فأصبح الوزراء ثلة قليلة، تدور على الحقائب والكراسي، بعد كل تعديل أو استحقاق مزور أو مشوه، فتجد وزير الصحة مثلا، قد صار وزيرا للاقتصاد، فالري، فالخارجية، وقد تجده صار رئيسا للبرلمان، وهكذا في لعبة عبثية لا تنتهي، مثيرة للأعصاب، وممتهنة للعقول، هذا الموات والتخشب وصل أيضا الى البرلمان "مجلس الشعب"، فرغم الانتخابات الاحتفالية، لاختيار أعضائه، فان للحاكم يدا طولى في تفصيل شروط الانتخاب، حتى يضمن الموالين، ثم لا يكتفي بذلك، بل تعمد وزارة داخليته الى فرز قائمة راضية مرضية، فينتج برلمانا احرص على الحكومة من نفسها !.
طول اجل الحاكم العربي، لم ينحصر تأثيره في السياسة والاقتصاد فقط،  بل امتد الى الثقافة، حيث تفشت الأمية، وسادت أنماطا استهلاكية سطحية، اختطفت اسم الثقافة وتدثرت به، تراجع الفكر في الوطن العربي، وتقاعست الترجمة، وهاجرت العقول، وأقفرت المسارح، وتعثرت السينما وهبطت الى أسفل الدرك، صمت المثقفون الحقيقيون، وتقدم  الانتهازيون والتافهون، وأنتجوا ثقافة مسخا، لا أصالة حفظت ولا حداثة جلبت .
ولان الحاكم العربي من طول بقائه في السلطة، والهدوء الزائف الذي رافق حكمه، وما تحمله تقارير حاشيته من مؤشرات عالية في النمو والازدهار و الاستقرار، فاجأته الثورات، ومن هول الصدمة والمباغتة، ورغبة في التمسك بالكرسي " مادام في الصدر قلب يخفق ونفس يتردد "، استعان بالعسكر، وحرض بعض  الشعب على  بعضه، وأشاع إعلامه بان مؤامرة دولية تستهدف البلد وتقدمها وحريتها، هذا الاعلام الذي طالما سبح بحمد الحاكم الرشيد، ورافقه في كل أعماله الفولكلورية،  ونتيجة للتحريض الإعلامي، وتزييف الحقائق،غرقت شوارع المدن العربية الحزينة أصلا، بالدم والدموع، وأضيف الى صفوف البطالين، والأميين، والفقراء، الذين أنتجهم عصر الحاكم الضرورة وحكمه، صفوفا أخرى من اليتامى، والأرامل، والثكالى، والشهداء، والجرحى، والمعاقين إعاقة مستديمة .
لا توجد امة تحت السماء،تعتبر حاكمها أبا،إلا امتنا العربية،ورغم نفاق المشاعر، وخداع الكلمة،إلا إنها تحمل بعض الصدق،ذلك أن أجيالا عربية كثيرة، لم تعرف لبلادها، إلا رئيسا واحدا،دعك من الملوك.
لقد عرف الشعب العربي أخيرا قوة الشارع وخبرها، في تغيير النظم والسياسات، وتغلب على خوفه من الأجهزة الأمنية، وسوف لن يفرط في هذه الحق، المكتسب بالدم والآلام، حتى وان بدا المشهد فوضويا الآن، بسبب التصحر الفكري والسياسي، الذي هيمن على الأوطان العربية عقودا من الزمن .
إن التداول السلمي على السلطة، ليس حلا سحريا لمشاكل الدولة وأزماتها، لكنه حلا عقلانيا وجوهريا، فأقل مزاياه، هي منعه الفساد أن يستوطن، ويتحكم في مفاصل الدولة، وقد حان الوقت، ليأخذ فرصته في النظام العربي الجديد، ولنا في البرازيل أو الهند عبرة رغم الكثافة السكانية وتعدد الأعراق واللغات والأديان والفقر المدقع  .