اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

ولا يدوم إلا وجه الله

كتب بواسطة : futurosahara on 01‏/03‏/2012 | الخميس, مارس 01, 2012


عبداتي لبات الرشيد
اعتذر لكل من وردت - في مقالي هذا-  خصلة من خصاله أو صفة من صفاته أو حالة يوجد أو قد كان عليها أو قد يكون عليها مستقبلا فما ذلك إلا محض صدفة ... الله غالب ....
تدور الأيام وتسخر الأقدار على كثير منا دون أن ننتبه أو نأخذ العبرة أو حتى نتعظ ....

حدثني صديق عزيز مرة وهو الذي يكلمني دائما عن السياسة والسياسيين بأسلوب ساخر، حدثني أن مسؤولا كبيرا في النظام السياسي  نام في يوم من الأيام كما ينام أي واحد منا لكنه استيقظ فجأة في صبيحة ذلك اليوم وهو يشعر بآلام اعتقد في البداية أنها مجرد وجع في بطنه الذي لم يستوعب يوما إلا أشهى و أغلى وأحلى وألذ المأكولات.
 كان صاحبنا في تلك الليلة يقيم مأدبة عشاء على شرف مجموعة من أصدقائه في المهنة من مسؤولين سامين وإطارات كبيرة في الدولة، بطونهم أيضا مثله لم تستوعب يوما إلا أشهى وأغلى وأحلى وألذ المأكولات، هم أيضا مثله ينامون عادة كما ينام أي واحد منا لكنهم يستيقظون عادة على أشهى وأحلا فطور صباح ثم يركبون أفخم السيارات ثم يذهبون الى مكاتبهم المكيفة لا شغل ولا مشغلة ودون كد ولا نكد ودون قطرة عرق واحدة يدخلون الى جيوبهم ألاف الدراهم يوميا ثم يعودون  ليلا الى بيوتهم المكيفة أيضا والمرصعة والمزخرفة، لهم عقول مثل عقولنا لكنهم يسخرون من أفكارنا ولا يعيرون اهتماما لأي اقتراحات تنتجها عقولنا، لهم قلوب مثل قلوبنا لكنهم لا يتأثرون لوجع قلوبنا ولا يرحمون كما ترحم قلوبنا ولا يحبون كما تحب قلوبنا، يخطئون كما نخطئ لكنهم لا يعترفون بأخطائهم كما نعترف ولا يعتذرون عن أخطائهم كما نعتذر، ينجبون الأولاد كما ننجب لكن أولادهم لا يأكلون كما يأكل أبناءنا ولا يدرسون في نفس مدارس أبناءنا ولا يكبرون في نفس المكان الذي يكبر فيه أبناءنا ولا يحلمون كما يحلم أبناءنا، يتنفسون مثلنا لكن هواءهم أنقى من هواءنا ولباسهم أفضل من لباسنا ورائحة عطرهم الباريسي أفضل من روائح عطورنا المحلية المصنوعة بأنامل أمهاتنا، ينزلون أفخم الفنادق أثناء أسفارهم ويركبون الطائرات ويجلسون أحيانا في مقاعدها من الدرجة الأولى وأحيانا أخرى يضعون مصروف تذاكرهم في جيوبهم ويتسابقون معنا على مقاعدنا القليلة التي تمنحنا إياها الجزائر الشقيقة على متن طائراتها العسكرية، وأحيانا تخصص تلك المقاعد لعائلاتهم الذاهبة للاستجمام في اسبانيا أو غيرها بينما نظل نحن الذاهبين الى مقاعدنا في الدراسة أو الى المستشفيات للعلاج ننتظر حظنا في الأسبوع القادم أو نسافر على متن الحافلة على تكاليفنا لا يهم. 
لا يحتاجون كما نحتاج الى أبسط الأشياء ولا يبكون كما نبكي لسرعة تأثرنا ولا يضحكون كما نضحك من سخرية تقلبات واقعنا المر، كل بكائهم نفاق وضحكهم كله مصطنع، لا يبتسمون كما نبتسم ولا يحلمون كما نحلم ولا يشعرون كما نشعر، فابتساماتهم كلها للكاميرات أو لجموع الناس الفضولية، وأحلامهم لا تتعدى طول الكراسي التي يجلسون عليها كي لا تضيع منهم، ومشاعرهم لا تتعدى إحساسهم بضرورة الذهاب الى المرحاض كلما شعروا بالرغبة في قضاء حاجاتهم – أكرم الله وجوهكم -، ليس لديهم صداقة مثل صداقاتنا التي عادة ما تكون لله وفي الله فكل صداقاتهم مصلحة في مصلحة وكل أصدقائهم من محيطهم، لا يصاحبون أحدا من خارج نطاقهم، وربما حتى صلواتهم لا تشبه صلواتنا ودعائهم ليس كدعائنا.
يمرضون كما نمرض لكن  أمراضهم كلها ورغم مستوى معيشتهم خبيثة-نجاكم الله-، وعندما يمرضون لا يذهبون كما نذهب الى المستوصف المحلي او المستشفى الجهوي او الى "الحجاب" والذين عادة ما يفتقدون الى أدنى الخدمات الطبية الحديثة والأجهزة الصحية المتطورة والله الحمد، بل يطيرون مباشرة وبمجرد أبسط إحساس بالوجع الى المستشفيات العالمية بالخارج المتوفرة على أغلى وأدق الأجهزة الصحية، وهذه الأجهزة هي أكثر شيء نكرهه نحن البسطاء نتيجة غلاء المرور عليها وكثرة ما تكشفه من أمراض لم نكن نعلم بها تلك التي تسبب أمراض نفسية على أمراض عضوية لأصحابنا من القوم المسؤولين.
حدثني صديقي انه وعندما شعر صاحبنا بوجع في بطنه ذلك اليوم اعتقده وجع بمعدته، لكنه قرر أن يسافر الى الخارج لتلقي العلاج وأجراء فحوصات دقيقة.
أجراء صاحبنا فحوصاته التي كشفت عن مرض خبيث ينخر جسده  وتلقى العلاج المطلوب وعاد الى المخيمات بعد أن شفي تماما ولله الحمد بعد استئصال ورمه الذي كان ولحسن الحظ ودعوات ورضا والدته المرحومة والتي يكون قد أحسن إليها في حياتها كان في بداية تشكله وكان سهلا استئصاله، عاد الى المخيمات هذه المرة وقرر أن يتبع هدى ربه وان يتقي الله في غيره وان لا يأخذ من أموال وإمكانيات أبناء الشهداء واليتامى والمحتاجين.
عاد الى المخيمات سليما معافى وبقي مسؤولا، لكنه قرر أن يأكل كما يأكل الآخرون من الناس البسطاء وان يتصدق من ماله على المحتاجين والفقراء.
عاد الى المخيمات سليما معافى وبقي مسؤولا، لكنه قرر أن يتخلص من كل أصدقاء السوء والمشبوهين وان يصاحب غيرهم من الناس المخلصين.
عاد الى المخيمات سليما معافى وبقي مسؤولا وأصبح يشرب كما نشرب ويأكل كما نأكل، ويحلم كما نحلم، لقد قرر أن يدرس كل أبناءه في نفس مدارس أبناء جيرانه كي يحلمون كما يحلم الصغار و يصاحبون من بين زملاءهم في مقاعد الدراسة من أبناء جيرانهم العاديين، لقد قرر أن لا يجنس أبناءه غير جنسيتهم كي يكبرون في نفس المكان الذي يكبر فيه زملائهم من أبناء الناس البسطاء. 
بقي صاحبنا مسؤولا لكنه قرر أن يسكن في بيوت من الطين كي يشعر كما نشعر ويتألم كما نتألم، لقد قرر أن لا يشتري منزلا في الخارج وان ينتظر مع شعبه مصيره الذي كتبه الله له.
عاد صاحبنا سليما معافى وبقي مسؤولا لكنه قرر أن يستمع الى الآخرين وان يعير الاهتمام لاقتراحاتهم، لقد أقر بأخطائه السابقة وقرر الاعتذار لمن أضرهم تعنته وعجرفته.
لقد بقي صاحبنا مسؤولا لكنه أصبح واحدا منا يبكي لبكائنا ويضحك لضحكاتنا، يتألم لوجعنا ويسعد لتعافينا، لقد بقي صاحبنا مسؤولا لكنه أصبح واحدا منا يسافر معنا على ظهر سيارات لاندرو فر وفي مؤخرة شاحنات المؤن، لقد بقي صاحبنا مسؤولا لكنه أصبح واحدا منا يتداوى في مستوصفاتنا وفي مستشفياتنا المنهكة ويذهب أحيانا الى "الحجاب" مثلنا، يلبس من لباسنا وتسعده رائحة البخور المصنوعة بأنامل أمهاتنا، يكره الكراسي و يحب الجلوس على الأرض مثلنا، يتنفس هوائنا المليء بالغبار والحصى، لقد قرر صاحبنا أن يقضي الصيف الحار معنا في خيامنا وان يشتي معنا شتاءنا الغارس في بيوتنا الطينية وراحة البخور تدفئ ليلنا الطويل، لقد أصبح واحدا منا يبتسم لنا وليس للكامرة يشاركنا أفراحنا وأحزاننا، لقد بقي صاحبنا مسؤولا لكنه أصبح واحدا منا يمزح ويترح ويحزن و يفرح، لقد أصبح واحدا منا يكره المأدبة الفاخرة وركوب الطائرات والإقامة في الفنادق ويحب الخيم ولبن الشاة والإبل ومأدبة الأرز باللبن و"العيش الميدوم والزميت"، يكره الضجيج ومكبرات الصوت والكاميرات، يكره الاصطناع والنفاق ويحب مثلنا أن يكون كل شيء على طبيعته.
عاد صاحبنا الى مخيماتنا سليما معافى وبقي مسؤولا وأصبح واحدا مثلنا يذهب الى المرحاض كلما أحس برغبته قضاء حاجته- أكرم الله أوجوه الجميع-  ولا يدوم إلا وجه الله الكريم.