اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

انكماش النخبة السياسية

كتب بواسطة : futurosahara on 12‏/08‏/2012 | الأحد, أغسطس 12, 2012


اسلامه الناجم 
قبل خلعه بسنوات، اشتكى الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك انه لم يعد يجد وزراء، مع ان مصر ذات الثمانين مليون نسمة، تضم مئات بل مئات آلاف الكفاءات وفي كل المجالات، فكيف يشكو رئيسها هكذا شكوى؟ الجواب في غاية البساطة، لكن حسني كغيره من طواغيت العرب لايريد سماعه، لانهم هم المسؤولين عن هذه الظاهرة وهي ظاهرة تسمى في المجال السياسي ب"انكماش النخبة السياسية"، وتحدث عندما تغلق جميع قنوات المشاركة السياسية امام المواطنين، وتمنع اي معارضة حقيقية للنظام، ويفتح المجال فقط لمعارضة مفصلة على مقاس السلطة لها كوطة معروفة في البرلمان وفي الحكومة، وتمنع الاحزاب الأحزاب الحقيقية و النقابات الحقيقية و الجمعيات الأهلية الحقيقية من الظهور .
نحن جميعا بتنا نعرف الان مآل انكماش النخبة السياسية في مصر، ونعرف جيدا مصير ومكان مبارك واركان نظامه، وهو ذات الامر الذي حرك ويحرك الشارع العربي في مخاض ربيعه الدامي .
اردت بهذه المقدمة القول بان الوضع عندنا الان يشبه الى حد التطابق، وضع مصر حين اطلق رئيسها المخلوع هذه الشكوى، هنا ايضا لاتوجد قنوات حقيقية لفرز نخبة وطنية تشارك في تحمل مسؤولية التحرير والبناء ، فصيغة امانة الفروع لم تعد مجدية، ناهيك انها كانت حاضنة لتفريخ اطارات ديماغوجية وانتهازية تسلقت السلم بالصوت والنفاق وليس بالعمل او الكفاءة، وها نحن ندفع الثمن من حاضرنا ومستقبلنا ، وليس في الامر تعميم بل خرجت منها الاطارات الكفوءة والنزيهة التي قدمت خدمات جليلة للوطن منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا . 
في وضعنا الاستثنائي كما يحلوا لسلطتنا ان تذكرنا دائما به كلما حاصرتها مطالب الاصلاح، لجأت الاخيرة الى اعتماد القبلية اساسا للتعاطي السياسي والاجتماعي مع الشعب، وابدت السلطة براعة في بادئ الامر في تجاوز ازماتها بهكذا حل رغم خطورته على المشروع الوطني ككل، ورغم تعارضه الواضح والفادح والفاضح مع جميع ادبيات الجبهة والدولة، غير ان الاستمرار في حياكة ذات المغامرة لم يعد ممكنا فتوقفت البراعة ووجد اللاعب الوحيد الممسك بخيوط اللعبة نفسه في وضع مشابه لوضع مبارك حين اطلق شكواه الشهيرة ، لم يعد يجد وزراء !. 
وضع كهذا انعكس سلبيا على اداء مؤسسات الدولة والجبهة، من اكبرها واخطرها شانا كمؤسسة الجيش الى اصغر الادارات المحلية باحدى البلديات مرورا بجميع الوزارات. اين ما وليت وجهك تجد تقاعسا او تهاونا او تفريطا، دون ان يحرك النظام ساكنا، لانه لا يستطيع ولا يمتلك اليات لمثل هذا العمل، فقد حاصر نفسه بسنوات من اللعب بنار القبلية .
نحن اذن في مرحلة انكماش النخبة، ولم يعد الرئيس يجد وزراء خارج الاسماء المعروفة المألوفة المحفوظة،وقد كان في ما مضى يوهم الرأي العام الوطني بوجود تغيير من خلال تدوير الكراسي " الحركية"، وتركها الآن الى خلق كتابات الدولة ثم تحويلها فيما بعد الى وزارات،اغلبها شكلي، لتصبح لدينا حكومة تضم اكثر من ثلاثين وزيرا، لا يعمل منهم ضمنيا غير ثلاثة او اربعة، هم الذين بيدهم كل الملفات بل يقومون في احيان كثيرة بعمل السفراء .
في حالتنا نحن الانكماش مضاعف، بدأ بتهميش النخب غير المستأنسة وانتهى بعزوفها عن العمل العام ثم هاجر اغلبها، والانكماش الثاني يتجلى في ان ثقة الرئيس او وزيره الاول هي في عدد محدود جدا من هذا الطاقم الحكومي الكبير.
يمنح نظامنا ودستورنا صلاحيات واسعة للرئيس، فهو مبني على فكرة الحكم المطلق، سيقول البعض ممن له يد في هكذا وضع، ان هذا الامر مناسبا فقط لهذه المرحلة وهو "استثنائي" الكلمة السحرية التي تجب ماعداها، وسيقولون ايضا ان الشعب مطمئن الى شخص وشخصية الرئيس الحالي، طيب سافترض ان في الحجتين بعض الوجاهة، لكن هذا ليس مفهوم الدولة ولا معناها، ماذا نفعل اذا جاء شخص آخر بسب القدر – لاقدر الله- او بسبب رغبة الرئيس في تحديد ولايته خاصة انه كان من المتحمسين لهذا الطرح في المؤتمر الشعبي العام الاخير، شخصا يرث كل الصلاحيات وبيده السلطة المطلقة ويكون مثلا اقل رصانة او اقل حكمة ، الا يدعو هذا الى القلق ؟ من اجل هذا وضعت الامم دساتير توزع السلطات وتحقق التوازن بينها الى جانب الحكومة القوية برلمان قوي وقضاء مستقل ومجتمع مدني فعال ، وبالتالي لابد من فتح القنوات المغلقة، وعوض الاعتماد على فرز القيادات قبليا يتم الاختيار على اساس الكفاءة والنظافة ، حان الوقت لان تتجسد الدولة بكل معانيها وابعادها ومؤسساتها فنجاحها هو الذي سيفرضها امرا واقعا على المجتمع الدولي، وهو الذي سيمكنها من استكمال اخر عناصرها وهو السيادة على كامل ترابها، اما اذا اختار النظام السير في نفس الاتجاه مشككا في دعوات الاصلاح متهما اصحابها في نواياهم وتوجهاتهم، مصرا على لعبته المفضلة في اللعب على الوتر القبلي، فانه يسير لامحالة و يقودنا شعبا وقضية نحو ثقب اسود .