اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

شخص اسمه الدولة

كتب بواسطة : futurosahara on 04‏/09‏/2012 | الثلاثاء, سبتمبر 04, 2012


بابا أحمد بوصولة
يلاحظ أنه تم تخصيص حيزا من الوقت في الفضاء الإعلامي الرسمي لشرح الدستور، والهدف من ورائه هو جعل المواطن يدرك ويطلع على ما تم قوننته من قوانين تحتكم إليها سلطة دولته القائمة، وأما قراءة ما بين الموجات الترددية، كي لا أقول ما بين السطور، فإن الهدف منها واضح، استهلاك إعلامي، ومحاولة للتكفييرعن خطايا الحكام ولو بالحديث والكلام.
فالدساتير والقوانين على الورق وقراءتها في الندوات والمؤتمرات وعبر الشاشات، ليست وحدها تبني دولة القانون، وليست قراءتها وتعميمها وحده يشرع لحاكم ما أن يسود ويحكم.
فالدستور معناه دولة القانون، وفحواه دولة الإنسان الواعي، من لا ينتظر من يخلصه مما هو فيه، أو من بارقة الأمل عنده ليست معقودة أو مرتبطة بالمخلص والزعيم الأوحد.
لا جدال هناك أن الحياة الانسانية لا بد لها من قوة وتنظيم كي تكون لها قيمة ومعنى، ولا نظام دون قانون يحكمه، فالسلطة ضرورية، وحيث لا يكون القانون يضل الناس السبيل، ولذا نرى التشريع الفرنسي قد نعتها باسم السيادة، أي سيادة القانون، فمفهوم السيادة أن سلطة الدولة عليها أن تكون هي العليا لا يسود عليها شيء ولا تخضع لأحد، اي أنها تعلو فوق الجميع، وتفرض نفسها على الجميع.
والسلطة تتولد مع مولد الجماعة، لأنه بغير السلطة لن يتحقق النظام ولن تكون هناك حرية، وقد ذهب فريق من الأخصائيين في القانون إلى قول أن الخلافات حول ـ السياسة ـ مهما تشعبت فهي تدور جميعا حول فكرة السلطة، لكن لا بد لهذه السلطة من تبرير حتى تكون شرعية، حيث يتمكن الحاكم من الاستناد إلى هذه الشرعية في ممارسة السلطة، ثم لا بد أن توضع لها حدود.
، - Poder- والقوة –Autoridad السلطة ـ وهنا يجب علينا أن نفرق بين 
وفي هذا الصدد يقول جاك مارتيان : السلطة والقوة أمران مختلفان، القوة هي التي بواسطتها تستطيع أن تجبر الآخرين على طاعتك، في حين أن السلطة هي الحق في أن تواجه الآخرين وأن تأمرهم بالإستماع إليك وطاعتك، والسلطة تتطلب قوة غير أن قوة بلا سلطة ظلم واستبداد.
أما السلطة التي عشناها ونعيشها تعني بالنسبة للحاكم القوة، بل يراها ممثلة في شخصه، فهو الدولة إن كانت دولة وهو الثورة إن كانت ثورة، أي أن الدولة والثورة تساوي بالنسبة له بقاءه في السلطة، وإلا فلا دولة هناك ولا شعب ولا ثورة، واستمراره في السلطة مرتبط باستمرار الدولة وسلامة الشعب مرتبط بسلامته كحاكم، وان تم تنحيته فرده سيكون تدميرا للدولة وإبادة للشعب وإجهاضا لمشروعه الاجتماعي والثوري.
وبغض النظر عن الماضي فإن الحاضر شاهد على كوارث انسانية سببها الحكام، بل سببها مجرمون، إذ في ظرف أشهر سحقوا ودمروا وحولوا دولا وحضارات بنتها الشعوب بعمل وكفاح مئات الأجيال إلى رماد، لا لشيء ارتكبته هذه الشعوب سوى أن جماهيرها أعربت لحكامها وبطريقة سلمية وحضارية، أنهم أصبحوا حكاما غير صالحين، وغير مرغوب فيهم.
فالدولة عندما تكون مؤسساتها في يد حاكم وأعوان يحركونها ويعبثون بها كما شاءت غرائزهم ومصالحهم، فلا دساتير ولا قوانين تجدي ولو حفظت للمواطنين عن ظهر قلب، بل ما نحن أمامه ليست دولة حق وقانون، بل دولة طابعها الطغيان، وعن الطغيان يقول جون لوك، في الحكم المدني: يبدأ الطغيان عندما تنتهي سلطة القانون، أي عند انتهاك سلطة القانون وإلحاق الأذى بالآخرين، ويعطي مثلا بقوله: الشرطي الذي يتجاوز حدود سلطاته يتحول إلى لص أو قاطع طريق، كذلك كل من يتجاوز حدود السلطة المشروعة سواء كان موظفا رفيعا، ملكا أم شرطيا، بل إن جرمه يكون أعظم.
و هنا لا يفوتني أن استشهد بما كتبه البستاني لتوضيح وشرح معنى الطاغية، حيث يقول: ويقال طغى فلان أي اسرف في المعاصي والظلم، والطاغية الجبار والأحمق والمتكبر والصاعقة، والمراد به هنا مَن تولى حكما واستبد وطغى وتجاوز حدود الاستقامة والعدل، تنفيذا لمآربه في مَن تناوله حكمه أو بلغت سلطته إليه.
فالشعب السوري الشقيق هو الآن بصدد دفع ثمن باهض، لكن لا محالة سينتصر، وانتصاره الأكبر ليس فقط بتنحية الطاغية السفاح بشار، بل بفصل وبصفة نهائية السلطة السياسية عن الحاكم الذي يمارسها، حاكم قال في إحدى تصريحاته، أنه طبيب جراح ولا يخشى أن تتلطخ يداه بالدماء من أجل أسعاف المريض، والمريض هنا بالنسبة للطاغية ليس إلا الشعب السوري، ولَكم ان تتصوروا كل ضخامة وحجم العملية الجراحية، بل عملية الفناء والتدمير التي قام ويقوم بها.
وعن الطغاة من أمثال بشار الأسد يقول مونتيسكيو: موقف الطاغية هو موقف ذلك الذي يقطع الشجرة كي يقطف ثمارها.
والسلطة في يد حاكم من هذا النوع، والتي تتحول إلى قهر وتدمير إنما تكشف عن انحراف مرضي، بل إننا أمام أمر غير طبيعي، يجب ردعه، فمن المؤكد أننا إذا أخذنا الشعب السوري كمثال، نقول أن شرائحه غضت النظر وتسامحت وتعامت عقودا عن حكامها تحت مبررات، أن خطر العدو الأسرائيلي على سوريا هو أخطر بكثير من أخطاء وتجاوزات حافط الاسد وابنه بشار، ولذا اختاروا الصبر والخنوع مادام شغل حكامهم هو الذوذ عن الوطن السوري وكرامته، واليوم ها هو بشار ينسف الوطن والشعب السوري برمته وكأن ما ينسفه هو اسرائيل، فهل حقا يحكمنا حكام أم مجرمون مرضى.
ولا بأس إن اعتبرني البعض بالرجعي أو وصفني بصفات أخرى ، حيث اقارن سياسة نظامنا وحكامه بسياسة النظام السوري، وما يلجموننا به من تبريرات ـ مقارعة العدو، والذوذ عن الوطن واستقلاله ـ تبريرات يظنون أنها كفيلة بأن تشفع لهم ما ارتكبوه في حق الشعب من جرائم، والتي هم يصفونها بالتجاوزات لا غير، بل اعتمدوا عليها في احتكارهم للسلطة قرابة أربعين سنة. لكن لهؤلاء وأولئك أقول، كي نتفادى ما نحن فيه ونقي شعبنا مما لا تحمد عقباه، فعيلنا ان ننصب شخصا له صفة الدوام، وهذا الشخص ليس محمد عبد العزيز ولا من قد يليه، بل شخص اسمه الدولة، كي نضمن لمشروع شعبنا وكفاحه الاستمرار والنجاح، ونحد من اطلاق يد الحاكم في السلطة، ونتجاوز ما يغسلون به أدمغتنا في المؤتمرات، أن قيادتنا منزهة ومقدسة، وأن كفاحنا ومشروعنا الوطني مرتبط بالحاكم الذي هو أعلم منا ومن الشعب جميعا بما يصلح له.
وخير خلاصة أختتم بها هذا المقال هو سؤال بعض المفكرين: إذا كان الحكام بشرا كالمحكومين، فكيف تكون إرادة الحكام حرة تحدد نفسها بنفسها، بينما تكون إرادة المحكومين خاضعة للحكام تتحدد وفق مشيئتهم؟