اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

أهلا ناعوم تشاومسكي.. مرحبا بك بيننا

كتب بواسطة : futurosahara on 30‏/10‏/2012 | الثلاثاء, أكتوبر 30, 2012

السيد حمدي يحظيه في سنة 1997م، بالضبط في مدرسة 27 فبراير، كانت تنعقد ندوة حول مخطط السلام الأممي الإفريقي، وكان عدد المدعويين بالعشرات، وأكثرهم - إن لم تخني الذاكرة- من الأسبانيين والأفارقة. في إحدى الخيام المنصوبة في ساحة مدرسة 27 فبراير لاستقبال الضيوف كان يجلس رجل وحيدا، بدون مرافق، ينظر بشيء من التركيز المشوب بالاندهاش إلى كل الاتجاهات كأنما لا يفهم أي شيء مما يدور حوله، أو كأنه يظن نفسه في حلم أو في عالم خارجي. كان يريد أحدا أن يشرح له شيئا عن الوضع في المخيمات، أو على الأقل يعرفه ويرحب به. وحتى أنه كان يسال بعض الناس الذين يجلسون بين الفينة والأخرى بجانبه ليشربون كاسا من الشاي على عجل ثم ينصرفون. ولم يكن الرجل الحائر الذي لم يعرفه أحد يتكلم لغة واحدة: كان يتكلم أربع لغات. لم يكن الرجل الوحيد المنعزل في تلك الخيمة السوداء، الذي تخلى عنه مرافقوه الصحراويون لعدم معرفتهم بقيمته وذهبوا مع أسبان، سواء راموس هورتا، المثقف، المفكر والقيادي في ثورة تيمور الشرقية آنذاك، الفائز بجائزة نوبل للسلام، والذي سيصبح، سنوات بعد ذلك، رئيسا لتلك الدولة بعد ممارسة شعبها لتقرير مصيره وحصولها على استقلالها. كان – لازال- غير معروف عندنا: لا عند عامتنا ولا عند طبقاتنا الكثيرة السياسية والثقافية وو. ولا عند أي احد من شعبنا رغم أنه أثناء زيارته تلك كان يعرفنا جيدا، ويتابع كل صغيرة وكبيرة حول قضيتنا، بل أنه قال لنا أن ثوار تيمور الشرقية كانوا يتفرجون أحيانا على أفلام للمقاتلين الصحراويين حتى ترتفع معنوياتهم. لم نكن نعرفه ولا نعرف من أين أتى لكنه هو كان لا يترك فرصة إلا تكلم عنا وعن قضيتنا ولا يترك أية جريدة يستطيع قلمه أن يصل إليها إلا وكتب فيها عنا.
في الحقيقة أن الذي آلمني كثيرا، ولا زال يؤلمني عند زيارة راموس هورتا لنا في سنة 1997م أننا لم نحتفي به ولم نقدره التقدير الذي كان يقدرنا، ولم نشعره أننا نفتخر بصداقة أمثاله. إنها حقيقة، ورغم أنها كذلك إلا أنها مؤلمة وتشعر الشخص الذي يعترف بها بالتفاهة.
الآن انزوى راموس هورتا للأسف- للكثير من الأسف- في الظل، لم يعد رئيسا، لكن من حسن حظنا- فقط من حسن حقنا- ظهر رجل آخر من طينة وتراب وعجين راموس هورتا يدافع عنا ويرفع صوتنا عاليا ويعطينا ما لم نعطيه لأنفسنا إعلاميا وثقافيا. أطل صوت آخر لواحد من القامات الفكرية العالية في العالم ليقف إلى صفنا، ومرة أخرى فهذا الطود الذي يدافع عنا الآن ليس برجل سياسة، إنما رجل ثقافة وفكر: إنه ناعوم تشاومسكي، ولمن لا يعرفونه فهو مفكر أمريكي معروف وأستاذ محاضر في العديد من الجامعات الأمريكية والعالمية، وهو أيضا ناشط حقوقي يدافع عن الشعب الفلسطيني والشعب الصحراوي. فهو الآن، ربما، الصوت الوحيد في العالم – أكابر وأعاند في ذلك- الذي يريد أن يقنع العالم أن يعترف إن الربيع العربي الحديث أنطلق من الصحراء الغربية وبالضبط من انتفاضة اكديم إزيك. فهو الوحيد الذي جاهر بذلك في أربع مناسبات مختلفة آخرها في قطاع غزة رغم أنه، حسب علمي المحدود جدا، لم يزرنا ولم يلتقي معنا ولم يحتك بنا احتكاكا لصيقا.                        
إن ناعوم تشاومسكي يبدو أنه مصر على إظهار حقيقة جلية وهي أن الربيع العربي أنطلق من كديم إزيك، وأن الصحراويين لهم شرف إطلاق شذى ذالك الربيع في الفضاء ضد الظلم والحقرة والاستعمار والاحتلال. فلو افترضنا أن الرجل صرح هذا التصريح مرة واحدة فقط لقلنا أنه جاء في سياق تزاحم لبعض الأفكار، وأن ذلك التصريح هو سهم أنطلق في فضاء بدون هدف، لكن أن يصرح أربع مرات متتالية، بنفس الإصرار والعناد، دون نسيان وبقناعة، فهذا لا يمكن تفسيره إلا تفسير واحد: الرجل يريد أن يقنع العالم بحقيقة أن الربيع العربي انطلق من كديم إزيك في العيون بالصحراء الغربية. لكن " بيناتنا" ( بيننا) هل نحن، في الحقيقة المجردة، نعرف من هو هذا المفكر الذي يجول العالم من بريطانيا إلى غزة ليقول للعالم ويحاول إقناعه أن الصحراويين لهم شرف إطلاق سنونوات الربيع في فضاء العالم العربي. لا أظن أننا نعرفه، أكثر من ذلك أشك أننا أتصلنا به، أكثر، أكثر من ذلك لا أتصور أننا وجهنا له دعوة ليزور مخيماتنا، أكثر من ذلك لا أظن أننا ربطنا به أي نوع من الاتصال، أكثر من ذلك لم يرفع أحدنا سماعة الهاتف ليشكره على مجهوده الرائد في الدفاع عنا.
في الواقع إن تصريحات ناعوم تشاومسكي قد أزعجت البعض في البلدان العربية التي لم يعجبها أن يصرح شخص بمكانة ومقام وقامة تشاومسكي تصريحا يعطي للصحراويين المنسيين شرف أن يكونوا أول من ألهم العالم العربي أن يثور.   
إن ناعوم تشومسكي ليس أوباما، وليس فلاديمير بوتن، لكنه صدى صوت الحق والحقيقة، وكرس صوته وفكره من أجل الدفاع عنا وعن قضيتنا التي يريد الكثيرون حثو التراب عليها.
أظن أن الصحراويين، كلهم، أينما كانوا، خاصة البسطاء - أنا مقتنع بهذا- يريدون أن يتم أستدعاء ناعوم كأبسط الإيمان إلى خيامهم ليشكروه على نضاله في سبيل قضيتنا وعلى حماسه لإيصال صوتنا إلى العالم. فحتى لا تتكرر قصة راموس هورتا المحزنة، ولا قصة فرانك رودي ولا قصة أغيري علينا أن نستدعي ناعوم إلى خيامنا، فذلك لن يكلفنا أي شيء، وقد يكون استدعاؤه أفضل بكثير من استدعاء الكثيرين الذين يزورونا شبه يوميا في مخيماتنا الكريمة. أحيانا يخطر على بالي – مجرد  فزات نارب- أن أوجه شخصيا دعوة لناعوم تشاومكسي ليزور مخيماتنا، لكن في الأخير أحجم عن ذلك وأطرد تلك الفكرة من رأسي خاصة حينما أتذكر ذلك اليوم الذي رأيت فيه راموس هورتا وحيدا منزويا في تلك الخيمة بعد أن تركه مرافقوه لجهلهم بقيمته وقدره هو العزيز في قومه وعند العالم الآخر.                        
إن ما قام به راموس هورتا، فرانك رودي، ناعوم تشومسكي، أغيري، كارلوس لويس ميغيل، هو أحسن بكثير من أي عمل دبلوماسي أو خارجي. والمحصلة أننا، بسبب الجهل أحيانا والتجاهل أحيانا أخرى، لا نلي أية عناية، مهما كانت بسيطة، بجيش المثقفين الأجانب الذين يدافعون عنا ويقفون إلى جانبنا. وحتى إذا استدعيناهم إلى احتفال أو ندوة بالصدفة مثلا لا نعطيهم حقهم من الأهتمام ولا نُظهر لهم أننا نقدر عملهم وأننا نعرفهم.

sidhamdi@yahoo.es